أرواد مدينة سورية صغيرة قامت على جزيرة تحمل الاسم نفسه. تقع أمام السواحل الشرقية للبحر المتوسط, قبالة البرّ السوري وعلى مسافة 4150 م جنوب غرب مدينة طرطوس، وعلى مسافة 2450م عن خط الساحل السوري, وتقع عند تقاطع خط العرض 34 درجة و51 دقيقة و20 ثانية شمالاً, وخط الطول 35 درجة و51 دقيقة و26 ثانية شرقاً. وللجزيرة شكل قريب الشبه بنصف دائرة غير منتظمة قطرها في الشرق وقوسها في الغرب وتمتد على محور شمالي غربي, جنوبي شرقي. طول الجزيرة نحو 750م وعرضها بحدود 450م, مساحتها 200,6 هكتار وارتفاع أرضها لا يزيد على 14م, في حين يصل رأس مئذنة المشعال إِلى أكثر من 40م فوق سطح البحر.
الأوضاع الطبيعيةتتألف صخور الجزيرة من توضعات طينية حديثة تعود للحقب الجيولوجي الرابع تغطي صخوراً رملية تعرف بـ «حجر الرملة» من العصر البليوسيني من الحقب الثالث, تليها طبقات من صخور المارن والغضار والكلس من العصر الكريتاسي من الحقب الثاني. وتظهر صخور الرملة وما يليها على سواحل الجزيرة وخاصة الغربية منها حيث ترسم شرفاتٍ وجروفاً ساحلية كوَّنها الحت البحري. وتكثر الحفر والتجاويف على امتداد السواحل الصخرية, كما يظهر النحر الساحلي وعتبة الحت البحرية في أجزاء كثيرة من الساحل الغربي المعرض لضربات الأمواج المباشرة. أما الجانب الشمالي الشرقي من الجزيرة فأكثر تعرجاً وغنى بالرمال, تظهر فيه ثلاثة رؤوس صغيرة, اثنان منها عند النهايتين الشمالية والجنوبية للساحل الشرقي قام الإِنسان بتمديدهما بلسانين مبنيين بحجارة ضخمة أبعادها 3×5×2م, يحتضنان مرفأ أرواد.
ولقد تم تحسين هذا المرفأ وتوسيعه عام 1966 ببناء مكسر رئيس في الشمال والشمال الشرقي طوله 575م متصل بالرأس الشمالي, ومكسر ثانوي طوله 132م متصل بالرأس الجنوبي (القبلي). ويقسم رأس الفدوة, البارز في منتصف الساحل الشمالي الشرقي, المرفأ إِلى حوض (الشمالية) وحوض (القبلية), إِضافة إِلى رصيفين صغيرين أقيما في هذين الحوضين. وتتبع الجزيرة صخرة صغيرة في شمال غربها تكاد تلتصق بالساحل تعرف باسم «بنت أرواد». أما تسمية «بنات أرواد» فتطلق على الجزر الصخرية الصغيرة الواقعة جنوب أرواد على امتداد محور طولي (شمالي - جنوبي) على مسافة نحو 15كم, وهي «جزر الحبيس» و «أبو علي» و«موشارة» (أوميشرون) و«الجورة» و«تبة الحمام». وتعرف الجزر الثلاث الأخيرة بجزر المخروط لتجمعها على شكل مخروط. وبنات أرواد صخرات غير مسكونة تطغى مياه البحر على معظمها في حالات المد والأمواج العالية باستثناء جزيرة الحبيس التي ترتفع مقدار 5-6م فوق سطح البحر. وتذكر المصادر التاريخية أن تسمية «بنات أرواد» كانت تطلق على المدن الساحلية التابعة لمملكة أرواد الفينيقية أمثال عمريت وجبلة وعرب الملك جركس وبانياس وتل الغمقة وغيرها.
ومناخ أرواد متوسطي بحري أمطاره شتوية وخريفية وربيعية, متوسطها السنوي بحدود 800م. تراوح حرارتها بين 27 و7 درجات ويندر أن تتدنى إِلى الصفر. ورطوبتها عالية تصل إِلى أكثر من 90٪ في الصيف وتحوم حول 60٪ شتاءً. وتتعدد الجهات التي تهب منها الرياح ولكل منها تسمية محلية : فـ «الملتم» ريح تهب من الجنوب الغربي و«الشلوق» من الجنوب الشرقي و«التحتاني» من الشمال, وغير ذلك من تسميات مرتبطة بالملاحة. وللأرواديين خبرة بأحوال الجو والتنبؤ بها. ويسبب الضباب الربيعي المسمى «سريدا» حجب الرؤية فتتوقف حركة المراكب.
و تنعدم المياه العذبة السطحية والينابيع في الجزيرة, فيغدو اعتماد سكانها على مياه الأمطار التي كانوا يجمعونها في حفر وخزانات وعلى المياه العذبة المنبجسة من قاع البحر على شكل ينابيع تعرف باسم «الفوارات» في منتصف المسافة تقريباً بين أرواد وطرطوس, حيث كان الماء يؤخذ منها بوساطة قمع من الرصاص شبيه بالجرس متصل بأنبوب جلدي. وتعد هذه الفوارات أقدم ينابيع بحرية عرفها الإِنسان واستعمل تقنية (القمع المقلوب) في استغلالها. ويشرب الأرواديون منذ عام 1953 من مياه بئر حديثة حفرت في الجزيرة, دعمت ببئر أخرى ثم ثالثة في منتصف السبعينات, إِضافة إِلى انتشار آبار خاصة في الدور إِلى جانب برك وأحواض جمع مياه المطر. ويعد وصول مياه نبع السن على الساحل السوري إِلى دور أرواد نهاية أزمة مياه الشرب للأرواديين.
الأوضاع السكانيةسكان أرواد من قدماء أبناء سواحل بلاد الشام وحَفَدة الفينيقيين الذين استقبلوا الفاتحين العرب واعتنقوا الإِسلام ويعتقد أنهم في الأصل البعيد من مدينة صيدا. وقد تعرضت أرواد للغزو والاحتلال أكثر من مرة في تاريخها الطويل, ومع ذلك حافظ السكان على بقائهم وأصالتهم منذ عشرات القرون. ويتألف السكان من أسر صغيرة تربط بعضها ببعض روابط النسب والقرابة البعيدة عن العلاقات القبلية السائدة في معظم قرى البر الشامي. ويتكلم السكان اللغة العربية بلهجة ساحلية مميزة ويدينون بالإِسلام. وتعد الهجرة أهم ظاهرة ديموغرافية في الجزيرة, إِذ يبلغ عدد الأرواديين خارج بلدهم أضعاف المقيمين فيها. ويعيش معظمهم في مدن الساحل السوري حيث يتوافر العمل في المهن البحرية وتوابعها في طرطوس وبانياس واللاذقية. وتعمل أعداد مهمة منهم في أنحاء متفرقة من العالم ولاسيما في الموانئ الكبرى وشركات الملاحة العالمية. ولأبناء أرواد شهرة واسعة في العمل البحري وهم مفضلون لمهارتهم وصبرهم وأمانتهم. ولقد مر إِعمار أرواد بحالات مد وجزر في تاريخها الطويل منذ القرن الخامس عشر ق.م حتى اليوم, وأُجلي سكانها عنها قرابة عام في أثناء الحرب العالمية الأولى وقصفها الألمان عام 1917, لتحولها إِلى قاعدة فرنسية منذ الأول من أيلول 1915.
موقع جزيرة أروادوأرواد المعاصرة ناحية تابعة لطرطوس عدد سكانها 5016 نسمة بحسب تعداد السكان لعام 1994, لكن واقع المسجلين من أبنائها يزيد عددهم على 11,500 نسمة يعمل معظمهم خارجها.
تتوسط السوق الرئيسة الجزيرة حيث الحوانيت وبائعو الخضر والفواكه والمخابز الثلاثة. وهناك عدد من المطاعم والمقاهي على الأطراف الشرقية والجنوبية للجزيرة. أما المقبرة ففي الجنوب الغربي. وتنتشر المساكن على باقي أرض الجزيرة متراصة متلاصقة, وحاراتها ضيقة متعرجة لمرور المشاة فقط ولا يوجد في الجزيرة سيارات أو عربات. وأرض الحارات مرصوف أكثرها بالإِسمنت وأقلها بالحجارة. ومعظم الدور مؤلف من طابقين ومع تزايد أعداد السكان أخذ عدد الطوابق بالازدياد حتى أربع. ومادة البناء كانت الحجر الرملي فأصبحت الإِسمنت المسلح, وسقوف المنازل مستوية مع انحدار بسيط. وتقسم أرواد إِلى حارتين رئيستين هما القبلية والشمالية, يفصل بينهما السوق. وهناك حارات أصغر كحارة السوق وحارة شيخ شرف الدين وحارة الفوق وغيرها.
وفي أرواد الكثير من المعالم الأثرية أهمها المرفأ والسور والقلعة والبرج, وقد كشفت الدراسات الأثرية آثاراً وأطلالاً مغمورة بمياه البحر التي ارتفع مستواها منذ أواخر العصر الحجري الحديث حتى اليوم عندما ساد مناخ دافئ وازداد حجم مياه البحار والمحيطات.
وظائف المدينةأرواد جزيرة بحرية عماد حياة سكانها صيد السمك والإِسفنج والعمل البحري وتوابعه, فأهلها بحارة وصيادون بالدرجة الأولى. ويتم الصيد بمراكب صغيرة تعرف بـ «الفلوكة» أو «اللنش» محلياً, مصنوعة من الخشب تسيرها محركات. ويستخدم الصيادون الشباك والشصوص (الشرك محلياً) ويكون الصيد ليلاً. وأهم أنواع الأسماك السلطان إِبراهيم والفريدي والرملي وهو أجودها, يليها السردين والبلميد (الطون) والسرغوس. ويباع المحصول اليومي في (ساحة السمك) في طرطوس.
ويستخرج الأرواديون الإِسفنج من عمق يُراوح بين 20-50م ومن أنواعه: الحقيقي المخزني والحقيقي الناعم والإِرسينية. وفي أرواد مشاغل وحيازات لصنع القوارب والمراكب وصيانة محركاتها, وتصدر مراكبها إِلى الموانئ السورية واللبنانية وإِلى ليبية والأردن أحياناً. وهناك بعض الأعمال التجارية التي يمارسها السكان في الجزيرة نفسها, أو مع البر السوري ولا سيما في مدينة طرطوس. وللوظيفة السياحية أهمية متزايدة بارتفاع أعداد زوارها من البر السوري يوماً بعد يوم, يدفعهم إِليها أن أرواد الجزيرة الوحيدة المأهولة على الساحل السوري كله. ولقد رافق ذلك قيام بعض الصناعات السياحية من الخشب والصدف وهي آخذة بالازدهار.
تاريخ أرواد
أصل التسمية وبداية الاستيطان
أرواد (باليونانية أرادوس Arados) وآراد بالفينيقية وتعني الملجأ وهي جزيرة صغيرة على الساحل السوري مقابل مدينة طرطوس. إِلا أنه توجد عدة أماكن أخرى تحمل هذه التسمية. فهناك أرادوس على ساحل فلسطين بين الكرمل ودوروس, ويذكر الجغرافي رافيني أرادوس أخرى على الساحل الإِفريقي. ويذكر بلّيني أرادوس في جنوب كريت, كما يقول, في أثناء وصفه الخليج العربي :«وقبالة الجرهاء (على ساحل الأحساء) جزيرة تيلوس وهذه الجزيرة بعيدة بأميال عن الساحل وتشتهر باللؤلؤ, وفي الجزيرة مدينة تحمل الاسم نفسه وعلى مقربة منها جزيرة أخرى باسم أرادوس».
ويذكر استرابون اسم جزيرة أرادوس في الخليج العربي ويقول :«إِن فيها معابد تشبه معابد الفينيقيين», ويذكر بطليموس الجزيرة بصيغتيها (أرادوس وأرثوس) وهي موقع عراد أو أراد على ما يذهب إِليه بعض الباحثين. وعلى كل حال فإِن أرادوس الساحل الفلسطيني تخص فينيقية, والبقية هي أماكن كان يتردد إِليها الملاحون الفينيقيون بحكم نشاطهم البحري والتجاري في الخليج العربي. ويرى استرابون في أثناء شرحه أوديسة هوميروس أن الذين بنوا أرواد هم من المهاجرين من صيدون وهذا ما يسوّغ أن معناها ملجأ الهاربين.
كانت الجزيرة مسكونة منذ زمن قديم, لكن استمرار هذا السكن على مساحة ضيقة لم يسمح بالعثور على دلائل عن هذا الماضي البعيد لأن أرضها صخرية ومن دون طبقات, مرصوف بعضها فوق بعض ولصعوبة التنقيب فيها بسبب أبنيتها المكتظة, في حين توجد شواهد على الاستيطان الإِنساني على اليابسة تعود إِلى العصر الحجري الحديث (النيوليتيك) والمتوسط (الميزوليتيك).
أرواد قبل الفتح العربي الإِسلاميكانت أرواد مدينة مزدهرة منذ الألف الثاني ق.م. ثم وقعت تحت نفوذ صور, إِلا أنها استقلت عنها وأخذت تنمو وتزدهر وتمتد وتؤسس مستعمرات وتنشئ مدناً على الشاطئ لضرورات اقتصادية ودينية ودفاعية عرفت باسم «بنات أرواد». وقد توغل الأرواديون في الداخل فأقاموا معابد وقلاعاً كهيكل بيتوخيخي (حصن سليمان) وسيجون (صهيون) وأسهموا في تأسيس مدينة قرطاجة مسطّرين صحائف من النشاط والعمل على نشر الحضارة ونقل البضائع وتأسيس المدن. وأشهر «بنات أرواد» كما يقول ديون كيزوستروم «انترادوس» القائمة تجاه أرادوس (وهي طرطوس). ثم ورد ذكرها في رسائل تل العمارنة وفي حوليات ملوك آشور وأسفار التوراة وفي النقوش الفينيقية.
احتل أرواد سرجون الأول مؤسس الدولة الأكدية (النصف الثاني من الألف الثالث ق.م). واشتركت أرواد مع الحثيين مراعاة لمصالحها وحاربت تحت لوائهم المصريين في معركة قادش (القرن الثالث عشر ق.م). وعندما أغارت شعوب البحر على أغاريت, كانت أرواد أوفر حظاً, ونجت من الغزو, وأصبحت من أبرز المدن على الساحل. إِلا أنها خضعت للملك الآشوري تغلات بلاصر الأول (1112-1074 ق.م). ثم آشور- ناصر - بال (883- 859 ق.م) الذي يتباهى بأن ملك أرواد قبّل الأرض بين يديه وقدم له جزية من الذهب والرصاص. غير أن الأرواديين استردوا معنوياتهم واتحدوا مع ملوك سورية إِلى جانب ملكي حماه ودمشق الآراميين عام 458 ق.م ضد جيش شلمانصر الثالث (858-824ق.م) الذي تمكن فيما بعد من فرض الغرامات على أرواد وفي عام 727 ق.م. استعان شلمانصر الخامس بأسطول أرواد. وفي عام 650 ق.م. أعلن ملك أرواد الخضوع لآشور- باني - بال, ملك آشور, وقدّم له جزية من الذهب. وبعد وفاة الملك ياكين لو ذهب أبناؤه العشرة إِلى نينوى وقدموا الخضوع وقيل أيضاً إِنه استبقاهم رهائن في قصره قبل موت والدهم. وفي عام 604 ق.م دخلت في نفوذ نابو - كودوري - أصّر (نبوخذ نصر) الكلداني.
وفي عام 539 ق.م أصبحت أرواد جزءاً من الامبراطورية الأخمينية الفارسية وغدت الولاية الخامسة, ونمت وازدهرت وضربت النقود الفضية باسمها وسمح لها بممارسة الحكم الذاتي ودفعت بأسطولها إِلى جانب الفرس في حملة حشويرس (اكسركس) ضد القائد الأثيني تيميستوكليس عام 480 ق.م في المعركة البحرية «سلامين».
وقد غزا الاسكندر المقدوني[ر] البلاد عام 333 ق.م. وقدم ابن ملك أرواد الخضوع والطاعة أمام الاسكندر. وما يلفت النظر أن الإِسكندر لم يشأ إِثارة حساسية أهل أرواد وشعورهم ولم يدخل الجزيرة على الرغم من وجوده في ماراتوس (عمريت) القريبة منها.
توقفت الجزيرة عن ضرب النقود باسمها في بداية السيطرة اليونانية وأقيم فيها مصنع لسك النقود باسم الاسكندر. وعقب موت الإِسكندر حملت النقود اسم الأمير فيليب أفرهيدي مدة قصيرة ثم عاد اسم الاسكندر من جديد.
كان لأرواد شأن عظيم في النزاع القائم بين السلوقيين والبطالمة لهذا منح أنطيوخوس الثاني أرواد استقلالها ليضمن مساعدة بحريتها وإِخلاصها وتمتعت بامتيازات المدينة الحرة.
وعَدَّت عام 259 ق.م بدء تاريخ حريتها ونقطة تؤرخ بها الحوادث. وفي عام 218 ق.م في أثناء تجهيز أنطيوخوس الثالث حملة على مصر أقبل عليه الأرواديون ليؤكدوا ولاءهم. واستفادت أرواد من النزاع بين السلوقيين أنفسهم ووقف الأرواديون إِلى جانب سلوقس الثاني (246-226 ق.م). وعقدوا معه اتفاقاً بأن تكون ملجأ للخارجين على المملكة وعدم تسليمهم, وسكّت كمية كبيرة من النقود الفضية, واضطر انطيوخيوس الرابع إِلى إِخضاع الأرواديين الذين قاوموه. ثم تم التحالف معهم ثم أعاد أنطيوخيوس السابع إِلى أرواد حريتها ليكسب مساعدتها. وبصورة عامة كان لأرواد نفوذ كبير على طول الساحل السوري من اللاذقية إِلى طرابلس.
وفي عام 64 ق.م احتل القائد الروماني بومبيوس سورية وتحدد مصير أرواد بذلك. إِلا أن أرواد حافظت على استقلالها إِلى حد ما وتابعت إِصدار تيترادرخمات (وحدات نقدية). وعندما قامت القطيعة بين بومبيوس وقيصر أيدت أرواد القائد الروماني واستخفت بعملاء أنطونيوس ورسله ورفضت دفع الجزية. غير أن المجاعة أجبرت المدافعين عن الجزيرة على الاستسلام. وفي عام 38-37 ق.م وعام 35-34 سُكّتْ نقود برونزية في أرواد تحمل صورة ماركوس أنطونيوس مع زوجته «فولفيا» أو مع كليوباترة.
احتفظت أرواد في تلك الآونة بمؤسساتها الهلنستية وكانت الوحيدة التي حافظت على حريتها في العصر الهلنستي تأكيداً لاستقلالها في أثناء العهد الامبراطوري الروماني. ومع ذلك أخذت تخبو وتضعف, وبدأ نجم انترادوس (طرطوس) بالتألق لتأخذ مكانها. ومما يجدر ذكره أن القديس بولص وصل إِلى أرواد, وهو في طريقه إِلى روما وأعجب بتماثيلها وبشّر سكانها بالدين المسيحي.
أرواد بعد الفتح العربي الإِسلاميدخلت سورية الفتح العربي في حين بقيت أرواد قاعدة بحرية حربية بيزنطية ذات موقع استراتيجي إِلى أن قرّر معاوية بن أبي سفيان فتحها كي يزرع الطمأنينة على الساحل, وتم له ذلك عام 45هـ /676م.
أرواد والغزو الفرنجيولكن جزيرة أرواد استخدمت قاعدة بحرية لأساطيل الدول الإِيطالية (بولونيا وجنوة) في حقبة الغزو الفرنجي وأخذت تدعم وتساند صليبيي طولوز في عمليات الهجوم على طرطوس واستقر فيها فرسان الهيكل (المعبد) فزادوا في تحصينها, ولاسيما بعد أن حرر العرب المسلمون الساحل وأصبحت المركز الرئيس ليعقوب الطرطوسي للإِغارة على الساحل بين وقت وآخر إِلى أن حررها قائد الأسطول سيف الدين كهرداش الرزاق المنصوري في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون عام 702هـ /1302م ودمرت أسوارها في هذا الصراع.
تناوب على أرواد المماليك ثم أهملت وقل شأنها وألحقت إِدارياً بنيابة طرابلس. وأتى العثمانيون وحسنوا في قلعتها زمن السلطان سليمان القانوني, وشُيّد فيها حصنان صغيران في إِثر غارات القراصنة اليونان ونُقل إِليها السكان من قلعتي صلاح الدين والمرقب وخصصت لهم رواتب ووقعت بينهم وبين القراصنة مناوشات أسفرت عن فوز حُماة الجزيرة, وأسر بعض القراصنة وتعلم الأرواديون منهم فنونهم في الملاحة ثم تغلبوا عليهم. وقد نزلت البحرية الفرنسية في أرواد في الحرب العالمية الأولى بقيادة الكومندان ترابو بعد مفاوضات مع وجهاء المدينة وتمكن من إِخضاع هذه الجزيرة للاحتلال الفرنسي سنة 1915 قبل إِبرام معاهدة سايكس - بيكو وأصبحت كل معاملاتها تمهر بخاتم حكومة أرواد وأصدرت طوابع وجوازات سفر وبطاقات شخصية, إِلى أن ضمت إِلى سورية بعد المعاهدة المذكورة. وأسهمت أرواد إِسهاماً فعالاً في تقديم المساعدة إِلى سكان جبل لبنان ضد جمال باشا ونُقل قسم من أهلها إِلى قبرص ثم جعلت فرنسة من قلعتها, في مرحلة الانتداب على سورية, معتقلاً للأحرار والرجالات الوطنيين, وقد أسهمت أرواد في مقاومة الاحتلال الفرنسي حتى الجلاء (1946).
التنقيبات الأثرية في الجزيرةالآثار التي كُشفت في أرواد, هي آثار معمارية ومادية وكتابات منقوشة بلغ عددها 22 نصاً حتى 1938. وأول من قام باستطلاع أثري أرنست رينان في أثناء رحلته إِلى سورية (1860). وقد ساعدته بحارة كوبير وقدم له المقدم كيهنوك جميع المصادر التي بحوزته, وقدّم له شخص يدعى عبد الباقي ما لديه من حجارة مستخرجة من أساسات البيوت, واقتصرت دراسته على جدران السور والمنازل وبعض مفارق الطرق, والمخطوطات, وأدوات الجنائز, وقواعد التماثيل, والتأثيرات المصرية الظاهرة على القطع التي تمَّ جمعها, وبعض الألواح الخشبية ويظهر منها امتزاج العناصر المصرية والآشورية أو الفارسية وانطباعها بنوع من الحس اليوناني وتشهد أن الفن الإِغريقي قد تطور في أرواد تطوراً يفوق تطوره في أي مكان آخر من فينيقية.
وقامت أونور فروست بأعمال دراسة أثرية تحت الماء نشرت نتائجها في بحث عن جزيرة أرواد: صخورها البحرية ومراسيها القديمة الأثرية.
وقام الآثاريون السوريون باستطلاعات مهمة في أرواد وتم استخراج قطعة حجرية عليها كتابة يونانية من العصر الروماني مؤلفة من أحد عشر سطراً نقلت إِلى الفرنسية ثم ترجمت إِلى العربية, كما تم كشف حجر أسود بازلتي (1983) وبجانبه حجر رخامي نقش عليه خمسة سطور يونانية ويعود هذا الأثر إِلى أيام الامبراطور طيبريوس.
محمد رئيف هيكل
الأوضاع الطبيعيةتتألف صخور الجزيرة من توضعات طينية حديثة تعود للحقب الجيولوجي الرابع تغطي صخوراً رملية تعرف بـ «حجر الرملة» من العصر البليوسيني من الحقب الثالث, تليها طبقات من صخور المارن والغضار والكلس من العصر الكريتاسي من الحقب الثاني. وتظهر صخور الرملة وما يليها على سواحل الجزيرة وخاصة الغربية منها حيث ترسم شرفاتٍ وجروفاً ساحلية كوَّنها الحت البحري. وتكثر الحفر والتجاويف على امتداد السواحل الصخرية, كما يظهر النحر الساحلي وعتبة الحت البحرية في أجزاء كثيرة من الساحل الغربي المعرض لضربات الأمواج المباشرة. أما الجانب الشمالي الشرقي من الجزيرة فأكثر تعرجاً وغنى بالرمال, تظهر فيه ثلاثة رؤوس صغيرة, اثنان منها عند النهايتين الشمالية والجنوبية للساحل الشرقي قام الإِنسان بتمديدهما بلسانين مبنيين بحجارة ضخمة أبعادها 3×5×2م, يحتضنان مرفأ أرواد.
ولقد تم تحسين هذا المرفأ وتوسيعه عام 1966 ببناء مكسر رئيس في الشمال والشمال الشرقي طوله 575م متصل بالرأس الشمالي, ومكسر ثانوي طوله 132م متصل بالرأس الجنوبي (القبلي). ويقسم رأس الفدوة, البارز في منتصف الساحل الشمالي الشرقي, المرفأ إِلى حوض (الشمالية) وحوض (القبلية), إِضافة إِلى رصيفين صغيرين أقيما في هذين الحوضين. وتتبع الجزيرة صخرة صغيرة في شمال غربها تكاد تلتصق بالساحل تعرف باسم «بنت أرواد». أما تسمية «بنات أرواد» فتطلق على الجزر الصخرية الصغيرة الواقعة جنوب أرواد على امتداد محور طولي (شمالي - جنوبي) على مسافة نحو 15كم, وهي «جزر الحبيس» و «أبو علي» و«موشارة» (أوميشرون) و«الجورة» و«تبة الحمام». وتعرف الجزر الثلاث الأخيرة بجزر المخروط لتجمعها على شكل مخروط. وبنات أرواد صخرات غير مسكونة تطغى مياه البحر على معظمها في حالات المد والأمواج العالية باستثناء جزيرة الحبيس التي ترتفع مقدار 5-6م فوق سطح البحر. وتذكر المصادر التاريخية أن تسمية «بنات أرواد» كانت تطلق على المدن الساحلية التابعة لمملكة أرواد الفينيقية أمثال عمريت وجبلة وعرب الملك جركس وبانياس وتل الغمقة وغيرها.
ومناخ أرواد متوسطي بحري أمطاره شتوية وخريفية وربيعية, متوسطها السنوي بحدود 800م. تراوح حرارتها بين 27 و7 درجات ويندر أن تتدنى إِلى الصفر. ورطوبتها عالية تصل إِلى أكثر من 90٪ في الصيف وتحوم حول 60٪ شتاءً. وتتعدد الجهات التي تهب منها الرياح ولكل منها تسمية محلية : فـ «الملتم» ريح تهب من الجنوب الغربي و«الشلوق» من الجنوب الشرقي و«التحتاني» من الشمال, وغير ذلك من تسميات مرتبطة بالملاحة. وللأرواديين خبرة بأحوال الجو والتنبؤ بها. ويسبب الضباب الربيعي المسمى «سريدا» حجب الرؤية فتتوقف حركة المراكب.
و تنعدم المياه العذبة السطحية والينابيع في الجزيرة, فيغدو اعتماد سكانها على مياه الأمطار التي كانوا يجمعونها في حفر وخزانات وعلى المياه العذبة المنبجسة من قاع البحر على شكل ينابيع تعرف باسم «الفوارات» في منتصف المسافة تقريباً بين أرواد وطرطوس, حيث كان الماء يؤخذ منها بوساطة قمع من الرصاص شبيه بالجرس متصل بأنبوب جلدي. وتعد هذه الفوارات أقدم ينابيع بحرية عرفها الإِنسان واستعمل تقنية (القمع المقلوب) في استغلالها. ويشرب الأرواديون منذ عام 1953 من مياه بئر حديثة حفرت في الجزيرة, دعمت ببئر أخرى ثم ثالثة في منتصف السبعينات, إِضافة إِلى انتشار آبار خاصة في الدور إِلى جانب برك وأحواض جمع مياه المطر. ويعد وصول مياه نبع السن على الساحل السوري إِلى دور أرواد نهاية أزمة مياه الشرب للأرواديين.
الأوضاع السكانيةسكان أرواد من قدماء أبناء سواحل بلاد الشام وحَفَدة الفينيقيين الذين استقبلوا الفاتحين العرب واعتنقوا الإِسلام ويعتقد أنهم في الأصل البعيد من مدينة صيدا. وقد تعرضت أرواد للغزو والاحتلال أكثر من مرة في تاريخها الطويل, ومع ذلك حافظ السكان على بقائهم وأصالتهم منذ عشرات القرون. ويتألف السكان من أسر صغيرة تربط بعضها ببعض روابط النسب والقرابة البعيدة عن العلاقات القبلية السائدة في معظم قرى البر الشامي. ويتكلم السكان اللغة العربية بلهجة ساحلية مميزة ويدينون بالإِسلام. وتعد الهجرة أهم ظاهرة ديموغرافية في الجزيرة, إِذ يبلغ عدد الأرواديين خارج بلدهم أضعاف المقيمين فيها. ويعيش معظمهم في مدن الساحل السوري حيث يتوافر العمل في المهن البحرية وتوابعها في طرطوس وبانياس واللاذقية. وتعمل أعداد مهمة منهم في أنحاء متفرقة من العالم ولاسيما في الموانئ الكبرى وشركات الملاحة العالمية. ولأبناء أرواد شهرة واسعة في العمل البحري وهم مفضلون لمهارتهم وصبرهم وأمانتهم. ولقد مر إِعمار أرواد بحالات مد وجزر في تاريخها الطويل منذ القرن الخامس عشر ق.م حتى اليوم, وأُجلي سكانها عنها قرابة عام في أثناء الحرب العالمية الأولى وقصفها الألمان عام 1917, لتحولها إِلى قاعدة فرنسية منذ الأول من أيلول 1915.
موقع جزيرة أروادوأرواد المعاصرة ناحية تابعة لطرطوس عدد سكانها 5016 نسمة بحسب تعداد السكان لعام 1994, لكن واقع المسجلين من أبنائها يزيد عددهم على 11,500 نسمة يعمل معظمهم خارجها.
تتوسط السوق الرئيسة الجزيرة حيث الحوانيت وبائعو الخضر والفواكه والمخابز الثلاثة. وهناك عدد من المطاعم والمقاهي على الأطراف الشرقية والجنوبية للجزيرة. أما المقبرة ففي الجنوب الغربي. وتنتشر المساكن على باقي أرض الجزيرة متراصة متلاصقة, وحاراتها ضيقة متعرجة لمرور المشاة فقط ولا يوجد في الجزيرة سيارات أو عربات. وأرض الحارات مرصوف أكثرها بالإِسمنت وأقلها بالحجارة. ومعظم الدور مؤلف من طابقين ومع تزايد أعداد السكان أخذ عدد الطوابق بالازدياد حتى أربع. ومادة البناء كانت الحجر الرملي فأصبحت الإِسمنت المسلح, وسقوف المنازل مستوية مع انحدار بسيط. وتقسم أرواد إِلى حارتين رئيستين هما القبلية والشمالية, يفصل بينهما السوق. وهناك حارات أصغر كحارة السوق وحارة شيخ شرف الدين وحارة الفوق وغيرها.
وفي أرواد الكثير من المعالم الأثرية أهمها المرفأ والسور والقلعة والبرج, وقد كشفت الدراسات الأثرية آثاراً وأطلالاً مغمورة بمياه البحر التي ارتفع مستواها منذ أواخر العصر الحجري الحديث حتى اليوم عندما ساد مناخ دافئ وازداد حجم مياه البحار والمحيطات.
وظائف المدينةأرواد جزيرة بحرية عماد حياة سكانها صيد السمك والإِسفنج والعمل البحري وتوابعه, فأهلها بحارة وصيادون بالدرجة الأولى. ويتم الصيد بمراكب صغيرة تعرف بـ «الفلوكة» أو «اللنش» محلياً, مصنوعة من الخشب تسيرها محركات. ويستخدم الصيادون الشباك والشصوص (الشرك محلياً) ويكون الصيد ليلاً. وأهم أنواع الأسماك السلطان إِبراهيم والفريدي والرملي وهو أجودها, يليها السردين والبلميد (الطون) والسرغوس. ويباع المحصول اليومي في (ساحة السمك) في طرطوس.
ويستخرج الأرواديون الإِسفنج من عمق يُراوح بين 20-50م ومن أنواعه: الحقيقي المخزني والحقيقي الناعم والإِرسينية. وفي أرواد مشاغل وحيازات لصنع القوارب والمراكب وصيانة محركاتها, وتصدر مراكبها إِلى الموانئ السورية واللبنانية وإِلى ليبية والأردن أحياناً. وهناك بعض الأعمال التجارية التي يمارسها السكان في الجزيرة نفسها, أو مع البر السوري ولا سيما في مدينة طرطوس. وللوظيفة السياحية أهمية متزايدة بارتفاع أعداد زوارها من البر السوري يوماً بعد يوم, يدفعهم إِليها أن أرواد الجزيرة الوحيدة المأهولة على الساحل السوري كله. ولقد رافق ذلك قيام بعض الصناعات السياحية من الخشب والصدف وهي آخذة بالازدهار.
تاريخ أرواد
أصل التسمية وبداية الاستيطان
أرواد (باليونانية أرادوس Arados) وآراد بالفينيقية وتعني الملجأ وهي جزيرة صغيرة على الساحل السوري مقابل مدينة طرطوس. إِلا أنه توجد عدة أماكن أخرى تحمل هذه التسمية. فهناك أرادوس على ساحل فلسطين بين الكرمل ودوروس, ويذكر الجغرافي رافيني أرادوس أخرى على الساحل الإِفريقي. ويذكر بلّيني أرادوس في جنوب كريت, كما يقول, في أثناء وصفه الخليج العربي :«وقبالة الجرهاء (على ساحل الأحساء) جزيرة تيلوس وهذه الجزيرة بعيدة بأميال عن الساحل وتشتهر باللؤلؤ, وفي الجزيرة مدينة تحمل الاسم نفسه وعلى مقربة منها جزيرة أخرى باسم أرادوس».
ويذكر استرابون اسم جزيرة أرادوس في الخليج العربي ويقول :«إِن فيها معابد تشبه معابد الفينيقيين», ويذكر بطليموس الجزيرة بصيغتيها (أرادوس وأرثوس) وهي موقع عراد أو أراد على ما يذهب إِليه بعض الباحثين. وعلى كل حال فإِن أرادوس الساحل الفلسطيني تخص فينيقية, والبقية هي أماكن كان يتردد إِليها الملاحون الفينيقيون بحكم نشاطهم البحري والتجاري في الخليج العربي. ويرى استرابون في أثناء شرحه أوديسة هوميروس أن الذين بنوا أرواد هم من المهاجرين من صيدون وهذا ما يسوّغ أن معناها ملجأ الهاربين.
كانت الجزيرة مسكونة منذ زمن قديم, لكن استمرار هذا السكن على مساحة ضيقة لم يسمح بالعثور على دلائل عن هذا الماضي البعيد لأن أرضها صخرية ومن دون طبقات, مرصوف بعضها فوق بعض ولصعوبة التنقيب فيها بسبب أبنيتها المكتظة, في حين توجد شواهد على الاستيطان الإِنساني على اليابسة تعود إِلى العصر الحجري الحديث (النيوليتيك) والمتوسط (الميزوليتيك).
أرواد قبل الفتح العربي الإِسلاميكانت أرواد مدينة مزدهرة منذ الألف الثاني ق.م. ثم وقعت تحت نفوذ صور, إِلا أنها استقلت عنها وأخذت تنمو وتزدهر وتمتد وتؤسس مستعمرات وتنشئ مدناً على الشاطئ لضرورات اقتصادية ودينية ودفاعية عرفت باسم «بنات أرواد». وقد توغل الأرواديون في الداخل فأقاموا معابد وقلاعاً كهيكل بيتوخيخي (حصن سليمان) وسيجون (صهيون) وأسهموا في تأسيس مدينة قرطاجة مسطّرين صحائف من النشاط والعمل على نشر الحضارة ونقل البضائع وتأسيس المدن. وأشهر «بنات أرواد» كما يقول ديون كيزوستروم «انترادوس» القائمة تجاه أرادوس (وهي طرطوس). ثم ورد ذكرها في رسائل تل العمارنة وفي حوليات ملوك آشور وأسفار التوراة وفي النقوش الفينيقية.
احتل أرواد سرجون الأول مؤسس الدولة الأكدية (النصف الثاني من الألف الثالث ق.م). واشتركت أرواد مع الحثيين مراعاة لمصالحها وحاربت تحت لوائهم المصريين في معركة قادش (القرن الثالث عشر ق.م). وعندما أغارت شعوب البحر على أغاريت, كانت أرواد أوفر حظاً, ونجت من الغزو, وأصبحت من أبرز المدن على الساحل. إِلا أنها خضعت للملك الآشوري تغلات بلاصر الأول (1112-1074 ق.م). ثم آشور- ناصر - بال (883- 859 ق.م) الذي يتباهى بأن ملك أرواد قبّل الأرض بين يديه وقدم له جزية من الذهب والرصاص. غير أن الأرواديين استردوا معنوياتهم واتحدوا مع ملوك سورية إِلى جانب ملكي حماه ودمشق الآراميين عام 458 ق.م ضد جيش شلمانصر الثالث (858-824ق.م) الذي تمكن فيما بعد من فرض الغرامات على أرواد وفي عام 727 ق.م. استعان شلمانصر الخامس بأسطول أرواد. وفي عام 650 ق.م. أعلن ملك أرواد الخضوع لآشور- باني - بال, ملك آشور, وقدّم له جزية من الذهب. وبعد وفاة الملك ياكين لو ذهب أبناؤه العشرة إِلى نينوى وقدموا الخضوع وقيل أيضاً إِنه استبقاهم رهائن في قصره قبل موت والدهم. وفي عام 604 ق.م دخلت في نفوذ نابو - كودوري - أصّر (نبوخذ نصر) الكلداني.
وفي عام 539 ق.م أصبحت أرواد جزءاً من الامبراطورية الأخمينية الفارسية وغدت الولاية الخامسة, ونمت وازدهرت وضربت النقود الفضية باسمها وسمح لها بممارسة الحكم الذاتي ودفعت بأسطولها إِلى جانب الفرس في حملة حشويرس (اكسركس) ضد القائد الأثيني تيميستوكليس عام 480 ق.م في المعركة البحرية «سلامين».
وقد غزا الاسكندر المقدوني[ر] البلاد عام 333 ق.م. وقدم ابن ملك أرواد الخضوع والطاعة أمام الاسكندر. وما يلفت النظر أن الإِسكندر لم يشأ إِثارة حساسية أهل أرواد وشعورهم ولم يدخل الجزيرة على الرغم من وجوده في ماراتوس (عمريت) القريبة منها.
توقفت الجزيرة عن ضرب النقود باسمها في بداية السيطرة اليونانية وأقيم فيها مصنع لسك النقود باسم الاسكندر. وعقب موت الإِسكندر حملت النقود اسم الأمير فيليب أفرهيدي مدة قصيرة ثم عاد اسم الاسكندر من جديد.
كان لأرواد شأن عظيم في النزاع القائم بين السلوقيين والبطالمة لهذا منح أنطيوخوس الثاني أرواد استقلالها ليضمن مساعدة بحريتها وإِخلاصها وتمتعت بامتيازات المدينة الحرة.
وعَدَّت عام 259 ق.م بدء تاريخ حريتها ونقطة تؤرخ بها الحوادث. وفي عام 218 ق.م في أثناء تجهيز أنطيوخوس الثالث حملة على مصر أقبل عليه الأرواديون ليؤكدوا ولاءهم. واستفادت أرواد من النزاع بين السلوقيين أنفسهم ووقف الأرواديون إِلى جانب سلوقس الثاني (246-226 ق.م). وعقدوا معه اتفاقاً بأن تكون ملجأ للخارجين على المملكة وعدم تسليمهم, وسكّت كمية كبيرة من النقود الفضية, واضطر انطيوخيوس الرابع إِلى إِخضاع الأرواديين الذين قاوموه. ثم تم التحالف معهم ثم أعاد أنطيوخيوس السابع إِلى أرواد حريتها ليكسب مساعدتها. وبصورة عامة كان لأرواد نفوذ كبير على طول الساحل السوري من اللاذقية إِلى طرابلس.
وفي عام 64 ق.م احتل القائد الروماني بومبيوس سورية وتحدد مصير أرواد بذلك. إِلا أن أرواد حافظت على استقلالها إِلى حد ما وتابعت إِصدار تيترادرخمات (وحدات نقدية). وعندما قامت القطيعة بين بومبيوس وقيصر أيدت أرواد القائد الروماني واستخفت بعملاء أنطونيوس ورسله ورفضت دفع الجزية. غير أن المجاعة أجبرت المدافعين عن الجزيرة على الاستسلام. وفي عام 38-37 ق.م وعام 35-34 سُكّتْ نقود برونزية في أرواد تحمل صورة ماركوس أنطونيوس مع زوجته «فولفيا» أو مع كليوباترة.
احتفظت أرواد في تلك الآونة بمؤسساتها الهلنستية وكانت الوحيدة التي حافظت على حريتها في العصر الهلنستي تأكيداً لاستقلالها في أثناء العهد الامبراطوري الروماني. ومع ذلك أخذت تخبو وتضعف, وبدأ نجم انترادوس (طرطوس) بالتألق لتأخذ مكانها. ومما يجدر ذكره أن القديس بولص وصل إِلى أرواد, وهو في طريقه إِلى روما وأعجب بتماثيلها وبشّر سكانها بالدين المسيحي.
أرواد بعد الفتح العربي الإِسلاميدخلت سورية الفتح العربي في حين بقيت أرواد قاعدة بحرية حربية بيزنطية ذات موقع استراتيجي إِلى أن قرّر معاوية بن أبي سفيان فتحها كي يزرع الطمأنينة على الساحل, وتم له ذلك عام 45هـ /676م.
أرواد والغزو الفرنجيولكن جزيرة أرواد استخدمت قاعدة بحرية لأساطيل الدول الإِيطالية (بولونيا وجنوة) في حقبة الغزو الفرنجي وأخذت تدعم وتساند صليبيي طولوز في عمليات الهجوم على طرطوس واستقر فيها فرسان الهيكل (المعبد) فزادوا في تحصينها, ولاسيما بعد أن حرر العرب المسلمون الساحل وأصبحت المركز الرئيس ليعقوب الطرطوسي للإِغارة على الساحل بين وقت وآخر إِلى أن حررها قائد الأسطول سيف الدين كهرداش الرزاق المنصوري في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون عام 702هـ /1302م ودمرت أسوارها في هذا الصراع.
تناوب على أرواد المماليك ثم أهملت وقل شأنها وألحقت إِدارياً بنيابة طرابلس. وأتى العثمانيون وحسنوا في قلعتها زمن السلطان سليمان القانوني, وشُيّد فيها حصنان صغيران في إِثر غارات القراصنة اليونان ونُقل إِليها السكان من قلعتي صلاح الدين والمرقب وخصصت لهم رواتب ووقعت بينهم وبين القراصنة مناوشات أسفرت عن فوز حُماة الجزيرة, وأسر بعض القراصنة وتعلم الأرواديون منهم فنونهم في الملاحة ثم تغلبوا عليهم. وقد نزلت البحرية الفرنسية في أرواد في الحرب العالمية الأولى بقيادة الكومندان ترابو بعد مفاوضات مع وجهاء المدينة وتمكن من إِخضاع هذه الجزيرة للاحتلال الفرنسي سنة 1915 قبل إِبرام معاهدة سايكس - بيكو وأصبحت كل معاملاتها تمهر بخاتم حكومة أرواد وأصدرت طوابع وجوازات سفر وبطاقات شخصية, إِلى أن ضمت إِلى سورية بعد المعاهدة المذكورة. وأسهمت أرواد إِسهاماً فعالاً في تقديم المساعدة إِلى سكان جبل لبنان ضد جمال باشا ونُقل قسم من أهلها إِلى قبرص ثم جعلت فرنسة من قلعتها, في مرحلة الانتداب على سورية, معتقلاً للأحرار والرجالات الوطنيين, وقد أسهمت أرواد في مقاومة الاحتلال الفرنسي حتى الجلاء (1946).
التنقيبات الأثرية في الجزيرةالآثار التي كُشفت في أرواد, هي آثار معمارية ومادية وكتابات منقوشة بلغ عددها 22 نصاً حتى 1938. وأول من قام باستطلاع أثري أرنست رينان في أثناء رحلته إِلى سورية (1860). وقد ساعدته بحارة كوبير وقدم له المقدم كيهنوك جميع المصادر التي بحوزته, وقدّم له شخص يدعى عبد الباقي ما لديه من حجارة مستخرجة من أساسات البيوت, واقتصرت دراسته على جدران السور والمنازل وبعض مفارق الطرق, والمخطوطات, وأدوات الجنائز, وقواعد التماثيل, والتأثيرات المصرية الظاهرة على القطع التي تمَّ جمعها, وبعض الألواح الخشبية ويظهر منها امتزاج العناصر المصرية والآشورية أو الفارسية وانطباعها بنوع من الحس اليوناني وتشهد أن الفن الإِغريقي قد تطور في أرواد تطوراً يفوق تطوره في أي مكان آخر من فينيقية.
وقامت أونور فروست بأعمال دراسة أثرية تحت الماء نشرت نتائجها في بحث عن جزيرة أرواد: صخورها البحرية ومراسيها القديمة الأثرية.
وقام الآثاريون السوريون باستطلاعات مهمة في أرواد وتم استخراج قطعة حجرية عليها كتابة يونانية من العصر الروماني مؤلفة من أحد عشر سطراً نقلت إِلى الفرنسية ثم ترجمت إِلى العربية, كما تم كشف حجر أسود بازلتي (1983) وبجانبه حجر رخامي نقش عليه خمسة سطور يونانية ويعود هذا الأثر إِلى أيام الامبراطور طيبريوس.
محمد رئيف هيكل